في ظل تصاعد التوترات بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، طرحت موسكو نفسها مجددًا كوسيط محتمل لتقريب وجهات النظر حول البرنامج النووي الإيراني، مؤكدة على أهمية الحلول الدبلوماسية ورفضها للضربات العسكرية التي طالت منشآت إيرانية مؤخراً.
خلال لقاء جمع بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الإيراني عباس عراقجي على هامش قمة بريكس المنعقدة في ريو دي جانيرو، جدّد الجانب الروسي عرضه لتقديم مساعدات دبلوماسية بغرض التوصل إلى حل توافقي يرضي جميع الأطراف بشأن الملف النووي الإيراني، ويدعم في الوقت نفسه الاستقرار الإقليمي.
رسائل روسية متعددة الاتجاهات
رفض القصف ودعم الدبلوماسية
لافروف أعاد التأكيد على موقف موسكو الرافض للضربات العسكرية التي استهدفت مواقع نووية إيرانية، في إشارة إلى العمليات التي نُسبت إلى إسرائيل والولايات المتحدة. ووصف تلك الضربات بأنها “غير مسؤولة”، خصوصاً وأنها استهدفت بنية تحتية خاضعة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
في المقابل، شدد الوزير الروسي على أن جميع الإشكالات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني يمكن حلها عبر الحوار والوسائل السلمية، وليس من خلال الضغوط أو التهديدات العسكرية.
مبادرة موسكو: وساطة ومقترحات
التخزين كحل وسطي؟
بحسب مصادر روسية، فإن موسكو أبدت استعدادها لإعادة طرح مبادرة تخزين اليورانيوم الإيراني المخصب على أراضيها، كخطوة لبناء الثقة مع الغرب وضمان عدم انحراف البرنامج عن مساره السلمي. هذا الاقتراح، الذي سبق أن طُرح في السنوات الماضية، يلقى قبولًا مبدئيًا لدى بعض الدوائر الأوروبية، في حال توافرت ضمانات تقنية وسياسية واضحة.
كما أبدت موسكو استعدادها لاستضافة جولات تفاوض جديدة بين الأطراف المعنية، تشمل إيران، والولايات المتحدة، والدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي الأصلي لعام 2015.
إيران تُصر على الطابع السلمي
موقف رسمي ثابت رغم الضغوط
من جانبها، أكدت طهران مراراً أنها لا تسعى إلى تطوير أسلحة نووية، وأن برنامجها يهدف فقط إلى توليد الطاقة لأغراض مدنية. ويأتي هذا الموقف في وقت تتعرض فيه إيران لضغوط متزايدة من الغرب بسبب زيادة مستويات تخصيب اليورانيوم إلى نسب قريبة من العتبة اللازمة لتصنيع سلاح نووي.
غير أن المفاوضين الإيرانيين يؤكدون أن كل الخطوات التي اتخذتها بلادهم جاءت ردًا على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، وأن العودة للالتزامات مرهونة برفع العقوبات الاقتصادية.
السياق الإقليمي: تصعيد لا يهدأ
إسرائيل في قلب التوتر
الهجمات الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية نُسبت لإسرائيل، التي ترى في تطوير القدرات النووية الإيرانية تهديدًا وجوديًا. وتُفضل تل أبيب العمل الاستباقي عوضًا عن انتظار توافقات دبلوماسية قد لا تُفضي إلى نتائج ملموسة، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين.
ومع توتر العلاقات الإسرائيلية-الإيرانية إلى مستويات غير مسبوقة، يصبح الملف النووي نقطة اشتعال إضافية في مشهد إقليمي شديد الهشاشة، لا سيما في ظل الصراعات الجارية في غزة، لبنان، واليمن.
موقف روسيا… بين التحالف والمصالح
شراكة استراتيجية بدون التزامات عسكرية
رغم أن موسكو وطهران تجمعهما شراكة استراتيجية متنامية، خاصة في ملفات مثل سوريا والتبادل العسكري، إلا أن روسيا لا تملك التزامات دفاع مشترك مع إيران. هذا يمنحها مرونة دبلوماسية للتحرك كوسيط دون الانحياز التام لأي طرف.
ويرى محللون أن روسيا تسعى للحفاظ على توازن دقيق بين دعمها لإيران، وعلاقتها المتوترة والمتشابكة مع الغرب، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجهها بسبب الحرب في أوكرانيا.
هل تنجح الوساطة الروسية؟
عقبات دبلوماسية على الطريق
رغم النوايا الروسية المعلنة، إلا أن الوساطة لن تكون سهلة. فالثقة بين إيران والولايات المتحدة شبه معدومة، والاتفاق النووي الأصلي بات محل شك من جميع الأطراف. علاوة على ذلك، فإن التغيرات في مواقف الإدارات الأمريكية، والضغوط الداخلية في طهران، تجعل من أي اتفاق جديد تحديًا بالغ التعقيد.
ومع ذلك، تبقى الوساطة الروسية فرصة يمكن البناء عليها، لا سيما إذا دعمتها القوى الأوروبية ووفرت لها بيئة تفاوضية موثوقة.
الخاتمة
في خضم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، تبرز روسيا كلاعب محوري يسعى لجمع الأطراف المتصارعة حول طاولة الحوار. عرض موسكو للمساعدة في حل الأزمة النووية الإيرانية يعكس طموحًا دبلوماسيًا واضحًا، ورغبة في لعب دور الوسيط الإقليمي، لكن نجاح هذا الدور يتوقف على إرادة سياسية متبادلة وثقة دولية في نوايا الأطراف المعنية.