ظلت أمريكا اللاتينية منبع السحر الكروي وروح المتعة والإبداع منذ أن وُلدت كرة القدم على عشب الحارات والمدرجات الشعبية في ريو دي جانيرو، وبوينس آيرس، ومونتيفيديو، وما إن اجتازت هذه الموهبة المحيط، حتى فتحت أوروبا ذراعيها لها، فدوّنت أسماءً مثل كافو، روبيرتو كارلوس، تشيلافيرت، سالاس وزامورانو، هوجو سانشيز (وهذا غيض من فيض) سطورًا خالدة في تاريخ أنديتها. لم تكن الملاعب الأوروبية مجرد وجهة احتراف، بل كانت مسرحًا تتجسد عليه روح الشغف القادمة من اللاتين. اللاعب اللاتيني لا يُباع ولا يُشترى، بل يُستشعر؛ لأنه لا يلعب فقط بقدمه وعقله، بل بقلبه وروحه، ويجعل من المستديرة وسيلة لرواية الحلم الشعبي، مجسدًا بملامحه الأصيلة معنى “الكرة للشعوب”.
في صيف 2025، ومع إسدال الستار على بطولة كأس العالم للأندية في الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت بوابة لانكشاف مواهب صاعدة، سارعت كبرى الأندية الأوروبية لإتمام صفقات كانت قد بدأت مفاوضاتها منذ شهور، وتحديدًا مع لاعبين من أمريكا الجنوبية خطفوا الأضواء في هذه البطولة. بعضهم وقَّع مسبقًا، لكنه أصر على المشاركة التاريخية مع فريقه المحلي في المونديال قبل الانتقال إلى ناديه الجديد في لفتة وفاء نادرة في زمن الاحتراف البارد.
في هذا المقال، نستعرض أبرز خمس مواهب لاتينية شقّت طريقها مؤخرًا نحو أوروبا، نجوم واعدون خطفوا الأنظار بأدائهم الرائع في مونديال الأندية، وأثبتوا أن كرة القدم اللاتينية لن تتوقع أبداً عن إنجاب السحرة:
5. ريتشارد ريوس / كولومبيا
من: بالميراس (البرازيل)
إلى: بنفيكا (البرتغال)
قيمة الصفقة: 30 مليون يورو
العمر: 24 سنة
المركز: لاعب وسط دفاعي
دخل اسم ريتشارد ريوس صراعاً مثيراً في سوق الانتقالات، بين ذئاب روما ونسور بنفيكا، لكن النادي البرتغالي حسم الصفقة بذكاء وحَسْم. في مونديال الأندية 2025، تألق الكولومبي بشكل لافت وشارك في كل مباريات بالميراس في المونديال، وجلب أنظار معظم كشّافي الأندية، وقارب معدّل تمريراته الناجحة 90%، واستخلص الكرة بمعدّل 4.7 مرات في المباراة الواحدة، إضافةً إلى صناعته هدفين خلال البطولة. ريوس يتميز على الأخص بثبات المستوى وقدرته على كسر رتم الخصوم، ما يجعله إضافة ذهبية لبنفيكا الباحث عن تعويض جديد لركائزه الراحلة. ويُعدّ بنفيكا والدوري البرتغالي عامةً من أبرز محطات اللاعبين اللاتينيين للقفز بعد ذلك إلى المستوى الأعلى على الإطلاق في أندية كرة القدم.
4. جون آرياس / كولومبيا
من: فلومينينزي (البرازيل)
إلى: وولفرهامبتون (إنجلترا)
قيمة الصفقة: 17 مليون يورو
العمر: 26 سنة
المركز: جناح أيمن / أيسر
بلا شك، كان جون آرياس أحد العوامل الرئيسية لوصول فلومينينزي إلى نصف نهائي بطولة مونديال الأندية الماضي، حيث سجّل هدفًا وصنع هدفًا آخر، وبلغ تقييمه الإجمالي 7.67/10.
اللاعب الكولومبي يتميز بسرعة فائقة وتمركز مميز وقدرة عالية على اللعب في الجناحين، ومراوغات حاسمة (بمعدل 5.1 مراوغة ناجحة في المباراة).
إلا أن السر الحقيقي في آرياس يكمن في إتقانه للأدوار المركبة المكلّف بها من قبل المدرب، حيث الضغط والتغطية واستعادة الكرات والتواجد في كثير من الأحيان في عمق الملعب، مما يجعل منه جناحًا خاصًا غير تقليدي، ومن المؤكد أن وولفرهامبتون وجد فيه ضالته
3. إستيفاو ويليان / البرازيل
من: بالميراس (البرازيل)
إلى: تشيلسي (إنجلترا)
قيمة الصفقة: 34 مليون يورو
العمر: 17 سنة
المركز: جناح أيمن
رغم أنه وقّع لتشيلسي قبل انطلاق مونديال الأندية، إلا أن إستيفاو اختار أن يخوض مونديال الأندية مع بالميراس، وترك بصمات لا تُنسى، لعل أبرزها هدفه أمام فريقه الحالي تشيلسي في الدور ثمن النهائي. الشاب اليافع كان مصدر ثقة دائم لمدربه رغم صغر عمره، وكان أحد أهم ركائز الفريق في البطولات المحلية والقارية. ويُتوقَّع أن يتدرج في منظومة تشيلسي ويكون أحد نجوم الجيل الجديد للبريميرليغ، مما يفسر ارتفاع سعر شراء عقد اللاعب مقارنةً بعمره.
2. تياغو ألمادا / الأرجنتين
من: بوتافوغو (البرازيل)
إلى: أتلتيكو مدريد (إسبانيا)
قيمة الصفقة: 21 مليون يورو
العمر: 23 سنة
المركز: صانع ألعاب
بعد أن كان أحد نجوم الشاشة في الدوري الأمريكيMLS ، تعاقد بوتافوغو مع الجوهرة الأرجنتينية تياغو ألمادا الدولي الذي كان لاعباً للمنتخب المتوَّج بكأس العالم (قطر 2022)، ونال ثقة سريعة من مختلف المدربين. اللاعب، الذي كان قد وقَّع للتو مع بوتافوغو في يوليو 2024 سارع ليون الفرنسي بعدها بـ6 أشهر لخطفه على سبيل الإعارة، ومنها إلى أتلتيكو مدريد الإسباني في تدرج قياسي بثلاثة مستويات خلال عام واحد، لموهوب يتميّز برؤية ميدانية عالية، مع قدرته الفعّالة على اللعب سواء على الأطراف أو في عمق الملعب، إضافة لشخصيته المحترفة التي كانت عاملاً فعالاً في تسارع تطوره في الانتقال بين الأندية والوصول إلى المستويات الأعلى.
1. فرانكو ماستانتونيو / الأرجنتين
من: ريفر بليت (الأرجنتين)
إلى: ريال مدريد (إسبانيا)
قيمة الصفقة: 45 مليون يورو
العمر: 17 سنة
المركز: جناح أيمن
أحدث وأبرز المواهب الأرجنتينية. وقّع لريال مدريد قبل المونديال، لكنه فضّل خوضه مع الريفر. أسلوبه هادئ، أنيق، مميّز بالتمريرات القطرية والثنائيات، ودقة تمريراته، والمراوغات، والكرات الثابتة، وحتى مساندة الظهير ” موهبة متكاملة “. ورغم لعبه بالقدم اليسرى، وبالرغم من أنه كان لاعبًا للغريم ريفر بليت، إلا أن الجماهير الأرجنتينية اتفقت على أن فرانكو قد يكون الخليفة الشرعي للنجم الكبير خوان رومان ريكيلمي. وتحت قيادة تشابي ألونسو في ريال مدريد، قد يكون ماستانتونيو حجر الأساس لجيل إبداعي ميرينغي جديد. ولا شك أننا في المستقبل القريب سنشهد ثنائية تنافسية على الكرات الذهبية بين ماستانتونيو ولامين يامال على الجانب الآخر في المعسكر الكتالوني.
اللاتيني لا يُقاوم
من هيجيتا إلى خاميس، من فرانشسكولي إلى فالفيردي، وزي روبيرتو إلى نيمار، اللاتيني لا يأتي ليشارك، بل ليُسيطر. اللاعب القادم من الحواري اللاتينية لا يخاف من الأضواء ولا يُرهبه الجمهور، لأنه تربّى على حب الكرة قبل أن يراها في الملعب.
وإليك نبذة ببعض الأسماء التي شكّلت مرآة لتفوّق أمريكا الجنوبية في أوروبا:
دييغو مارادونا – قلب نابولي وأسطورته
ليونيل ميسي – فخر كتالونيا وبطل كل شيء مع برشلونة
رونالدو “الظاهرة” – معجزة هجومية فاقت كل التوقعات
ريفالدو – عبقري ميلان وبرشلونة
كاكا – الأنيق الذي يعشقه حتى المنافس
روماريو – ماكينة أهداف استثنائية
كاريكا – ثنائي رعب مع مارادونا في نابولي
غابرييل باتيستوتا – ومَن مِنًا لا يحب باتي غول !!
باولو مونتيرو – صخرة يوفنتوس الأورغويانية
إيميرسون – الدينامو الذي أدار خط وسط روما ويوفنتوس بدقة جرّاح
لكنها بلا شك قائمة ظالمة للمئات من الأساطير على ذات الشاكلة مثل رونالدينيو أجويرو خوان فيرون دييجو سيميوني لويس سواريز وكافاني وفورلان، وقائمة طويلة لن تنتهي أبداً،لأن أمريكا الجنوبية ستبقى المصدر الحقيقي للمتعة الكروية، والضامن الأكبر لاستمرار أسطورة أن “اللاعب اللاتيني اسمه لا يُكتب بالحبر، بل يُنقش في ذاكرة الجماهير”.