في تطوّر قانوني يسلّط الضوء على التوتر المتصاعد بين الحكومة الفيدرالية والولايات، أقدمت أكثر من عشرين ولاية أميركية على رفع دعاوى قضائية ضد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بسبب قرارها المفاجئ بتجميد تمويلات حيوية لقطاع التعليم. يشمل هذا القرار وقف تمويل برامج ما بعد المدرسة والصيفية التي كانت تشكّل شريان حياة لأطفال الأسر منخفضة الدخل.
الولايات تنتفض لحماية مستقبل الطلاب
القرار الذي اتخذته الإدارة الجمهورية أثار موجة استياء واسعة، لا سيما في الولايات التي تعتمد بشكل كبير على التمويل الاتحادي لتشغيل برامج الدعم التعليمي والرعاية المجتمعية. وتعتبر هذه البرامج، التي تُدار غالبًا عبر المدارس العامة أو مؤسسات مثل نادي الأولاد والفتيات، ملاذًا آمنًا ومفيدًا لملايين الأطفال.
ضربة موجعة للطبقات المهمشة
بحسب مسؤولي التعليم في عدة ولايات، فإن تجميد هذه الأموال يعني تهديد فرص التعليم والدعم الأكاديمي لما يزيد عن مليون طفل في عموم البلاد، معظمهم من أسر ذات دخل محدود. البرامج المتضررة توفّر للطلاب بيئة تعليمية ممتدة بعد انتهاء اليوم الدراسي، وفرصًا للإثراء والتفاعل الاجتماعي خلال العطل الصيفية.
التمويل المجمد: أرقام ومخاوف
البرامج المستهدفة كانت تعتمد على مخصصات أقرها الكونغرس ضمن ما يُعرف بـ”مراكز التعلم المجتمعي للقرن الحادي والعشرين”، وهي مبادرة اتحادية تهدف إلى تقديم الدعم الشامل للأطفال خارج أوقات المدرسة. وبحسب البيانات، تجاوزت قيمة التمويلات التي تم تجميدها 6 مليارات دولار، ما جعل التأثير مباشرًا وسريعًا على آلاف المراكز في الولايات المختلفة.
أولويات سياسية أم عبء مالي؟
برّرت إدارة ترامب القرار بأنه يأتي في إطار مراجعة البرامج الممولة اتحاديًا لضمان توافقها مع “أولويات الرئيس”، دون أن تقدم تفاصيل واضحة عن طبيعة هذه الأولويات. وقد فسّر كثيرون هذه الخطوة بأنها محاولة لإعادة توجيه الإنفاق نحو برامج أخرى أكثر انسجامًا مع التوجهات السياسية للإدارة الجمهورية في ذلك الوقت.
دعوات لمساءلة الحكومة الاتحادية
من جانبها، وصفت قيادات التعليم ومسؤولو الولايات القرار بأنه “انتهاك لصلاحيات الكونغرس”، مشيرين إلى أن سلطة تخصيص التمويل تعود للسلطة التشريعية، وليس للرئيس أو إدارته. وقد أكدت بعض الولايات أن هذه الإجراءات تهدّد مبدأ الفصل بين السلطات، وتعرّض الأطفال الأكثر حاجة للتعليم والدعم للخطر.
المعركة تنتقل إلى ساحات المحاكم
تقدّمت أكثر من عشرين ولاية بدعاوى قضائية أمام محاكم فيدرالية، تطالب فيها بإلغاء قرار التجميد واستعادة التمويل فورًا. ويأمل مسؤولو التعليم أن يؤدي الضغط القانوني إلى استئناف برامج الدعم قبل بداية العام الدراسي الجديد، لتفادي آثار كارثية على طلاب لا يملكون بدائل أخرى.
العائلات والمجتمعات: نحن من يدفع الثمن
في الأحياء ذات الدخل المحدود، يشعر الأهالي بأنهم في قلب العاصفة. فالبرامج التي كانت توفّر مكانًا آمنًا لأبنائهم أثناء غيابهم في العمل، وتساعدهم في تحسين مستواهم الدراسي، باتت مهددة بالإغلاق. وأكد العديد من أولياء الأمور أن هذه البرامج لا تقتصر على التعليم فقط، بل تشمل الدعم النفسي والاجتماعي، والوجبات اليومية المجانية، والتفاعل مع المجتمع.
مستقبل غامض لجيل يحتاج إلى الدعم
بينما يتواصل النزاع في المحاكم، يبقى مصير البرامج معلّقًا، ما يترك ملايين الأسر في حالة من القلق وعدم اليقين. ويقول التربويون إن فقدان هذه البرامج قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفشل الدراسي، وتزايد الفجوة التعليمية بين الأطفال في المناطق الغنية ونظرائهم في الأحياء الفقيرة.
نداء عاجل للكونغرس والإدارة المقبلة
دعا خبراء التعليم والمجتمع المدني أعضاء الكونغرس إلى التدخل لإعادة التمويل، والعمل على تشريع جديد يمنع أي إدارة مستقبلية من حجب الأموال دون موافقة تشريعية. كما طالبوا بوضع آليات تضمن استمرارية هذه البرامج بعيدًا عن التجاذبات السياسية التي قد تُعرّض مستقبل الأطفال للخطر.
هل تتحول الأزمة إلى نقطة تحوّل؟
قد يكون هذا النزاع فرصة لإعادة النظر في طريقة تمويل التعليم وبرامجه التكميلية في الولايات المتحدة. فالاعتماد المفرط على التمويل الاتحادي يجعل البرامج عرضة للتغيير السياسي، ما يدفع كثيرًا من الولايات إلى المطالبة بآلية أكثر استقرارًا واستقلالًا.
خاتمة: معركة تمويل التعليم مستمرة
بين المرافعات القضائية، والضغوط السياسية، ومعاناة الأسر، تبرز أهمية حماية برامج التعليم من التأثيرات الحزبية. فالحق في التعلم والدعم لا يجب أن يكون ضحية للقرارات الإدارية المتقلبة. وفي نهاية المطاف، فإن مستقبل جيل كامل من الأطفال بات مرهونًا بقرارات تُتخذ بعيدًا عن مقاعد الدراسة.