بين الفن والفتنة.. حين تتحوّل المنافسة إلى معركة مفتوحة
من المؤسف أن تتحول العلاقة بين اثنتين من أعذب الأصوات النسائية في الوطن العربي إلى ساحة من الشكوك والتصريحات المتبادلة، لا سيما حين ترتبط الأسماء بـ”شيرين عبد الوهاب” و”أنغام”، وهما من الأسماء التي صنعت تاريخًا فنيًا كبيرًا، ويُنتظر منها أن تكون قدوة للأجيال القادمة، لا وقودًا للمعارك الإلكترونية.
لكن المتابع للمشهد الفني خلال السنوات الأخيرة، يُدرك تمامًا أن العلاقة بين النجمتين كانت دومًا على صفيح ساخن، حتى في الفترات التي بدت فيها الأمور هادئة، كانت الغيوم تتراكم في الكواليس.
حفل موازين.. القشة التي أشعلت الموقف؟
ما حدث في مهرجان “موازين” لم يكن مجرد أزمة تقنية مرتبطة بالبلاي باك، بل كان شرارة فجّرت مشاعر قديمة ومكبوتة، سرعان ما وجدت طريقها إلى العلن.
رغم أن شيرين لم تتهم أنغام صراحة، إلا أن جمهورها – الذي عادة ما يكون صداميًا – وجّه سهامه نحو أنغام، وفتح بابًا من الهجوم، مدفوعًا بفكرة “المطربة المنافسة”، و”التصفية الفنية”، وغيرها من المصطلحات التي أصبحت تُستخدم بكثافة في معارك السوشيال ميديا.
من جانبها، رفضت أنغام لعب هذا الدور، وخرجت في تصريحات مباشرة، لتؤكد أنها لم ولن تكون جزءًا من أي حملة تستهدف أحدًا، خاصة في وقت تمر فيه بأزمة صحية، تستوجب التعاطف لا الاتهام، معتبرة ما حدث بمثابة “تشويه متعمد”، تجاوز كل الخطوط.
حرب الفانز.. من المسؤول؟
من اللافت أن كثيرًا من هذه الأزمات لا تشتعل فعليًا من تصريحات الفنانين أنفسهم، بل من متابعيهم والمحبين الذين يسيئون التعبير عن دعمهم، بتحويل كل تفصيلة أو تصريح إلى هجوم على الطرف الآخر.
وفي ظل ضعف الرقابة على المحتوى الإلكتروني، يجد بعض المتطفلين ضالتهم في إشعال النيران، سواء من حسابات مجهولة أو حتى بحسابات حقيقية هدفها إثارة الجدل، ما يجعل الفنانين أسرى لصورة لم يصنعوها.
هذا ما أشار إليه بعض النقاد، الذين أكدوا أن شيرين وأنغام يدفعان ثمن “مبالغة الفانز”، في وقت يجب أن تُضبط فيه هذه التفاعلات، وألا تُترك العلاقة بين النجوم فريسة لأمزجة إلكترونية.
دروس من الماضي.. الصمت لا يُنهي الأزمات
الحقيقة أن تجاهل الخلافات لم يؤدِ لحلها، بل تركها تتضخم في الظل. فمنذ خلافات سابقة بسبب ألقاب مثل “صوت مصر”، إلى انتقادات ضمنية حول اختيارات فنية، ظلت العلاقة بين النجمتين تشهد مدًّا وجزرًا.
شيرين نفسها سبق أن ألمحت في أكثر من مناسبة إلى إحساسها بالخذلان من “بعض الزملاء”، بينما أنغام كانت تحرص على عدم التصريح المباشر، لكنها لم تخفِ ضيقها من “الشتائم والتلميحات”، حتى قالت صراحة:
«مش كل مرة هسكت، ومش هسمح لحد يستخدم اسمي في تصفية حسابات».
هل نحتاج وساطة فنية حقيقية؟
في ظل هذا التوتر، يبرز تساؤل مهم: أين الوسط الفني من هذه الخلافات؟ وهل يجب أن تنتظر نقابة المهن الموسيقية انفجار الموقف إعلاميًا لتتحرك؟
أصوات كثيرة داخل الوسط طالبت بأن تلعب النقابة دورًا أكثر فاعلية في احتواء مثل هذه الخلافات، ليس فقط حفاظًا على العلاقات بين الفنانين، ولكن حماية لصورة الفن المصري.
وفي هذا السياق، دعا بعض المحللين الفنيين إلى إنشاء لجنة داخل النقابة تختص بالتواصل بين الفنانين، وتعمل على تهدئة الخلافات قبل أن تصل إلى الجمهور، خاصة في زمن أصبحت فيه الشائعات تنتشر أسرع من الحقيقة.
ما بعد الأزمة.. فرصة أم قطيعة نهائية؟
ربما تكون هذه الأزمة، رغم قسوتها، فرصة للمراجعة، وفرصة لوضع حدٍ لكل ما يُقال ويُلمّح له. فالجمهور، رغم استمتاعه بالإثارة، ما زال يتوق لرؤية مشهد مصالحة إنساني، يعيد شيئًا من الدفء للعلاقة بين فنانتيْن كان من الممكن أن تكونا ثنائيًا غنائيًا نادرًا.
والسؤال الذي يفرض نفسه:
هل تعود المياه إلى مجاريها وتفتح صفحة جديدة؟ أم أن ما حدث كان كافيًا لإغلاق الباب نهائيًا بين شيرين وأنغام؟
في انتظار الأيام المقبلة، يظل الأمل معقودًا على تعقّل الطرفين، وتقدير حجم المسؤولية الواقعة على عاتقهما، كرموز فنية يُفترض بها أن تبني لا أن تهدم، وأن تلهم لا أن تُشعل.
لمتابعة احدث الأخبار في الفن و الثقافة اضعط هنا – تابعنا عبر فيسبوك لمتابعة احدث واخر الاخبار عبر صفحتنا في فسيبوك وباقي مواقع التواصل