بين الانتقادات والدعم الدولي، تواجه خطة إسرائيل لتوسيع توزيع المساعدات في شمال قطاع غزة اختبارات سياسية وإنسانية دقيقة، في وقت يعيش فيه القطاع واحدة من أسوأ أزماته.
وافقت الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا على خطة جديدة تهدف إلى السماح بتوزيع مزيد من المساعدات الإنسانية في شمال قطاع غزة. القرار، الذي نُظر إليه من قبل بعض الأطراف كخطوة ضرورية للتخفيف من الأزمة الإنسانية الحادة، أثار في المقابل موجة من الانتقادات الداخلية الحادة، لاسيما من شخصيات تنتمي للتيار اليميني المتشدد داخل الائتلاف الحاكم.
خلفيات القرار وتفاصيله
جاءت الموافقة بعد أسابيع من الضغوط الدولية، ومع تزايد التحذيرات الأممية بشأن خطر المجاعة الوشيك الذي يهدد مئات الآلاف من سكان القطاع. وتهدف الخطة إلى تسهيل عمل المنظمات الدولية التي تواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى المناطق الشمالية من غزة.
لكن، ورغم هذه المساعي، لا تزال نقاط توزيع المساعدات في الشمال محدودة للغاية، وسط اتهامات متبادلة حول مسؤولية تأخير دخول الإمدادات.
الانقسام الداخلي في الحكومة الإسرائيلية
لم يمر القرار دون أن يخلف انقسامًا سياسيًا واضحًا داخل الحكومة. إذ خرج وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، المعروف بمواقفه اليمينية المتشددة، ليوجه انتقادات لاذعة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، متهمًا إياه بتقديم تنازلات “تشكل خطرًا استراتيجيًا”.
واعتبر سموتريتش أن السماح بدخول المساعدات الإنسانية يصب في مصلحة حركة حماس، مؤكدًا أن ذلك يمنحها “دعمًا لوجستيًا مباشرًا” قد يُستخدم ضد الجيش الإسرائيلي.
دور المؤسسة المثيرة للجدل
أحد أبرز محاور الجدل تركز حول مؤسسة “غزة الإنسانية”، التي دخلت على خط توزيع المساعدات بدعم من إسرائيل، رغم الانتقادات الواسعة التي طالتها إثر وقوع حوادث دموية في محيط نقاط توزيعها. لم تكن المؤسسة نشطة في شمال القطاع من قبل، وهو ما يطرح تساؤلات حول فاعليتها في هذه المرحلة الحساسة.
ورغم دعم الولايات المتحدة لهذا التوجه، إلا أن الأمم المتحدة أبدت تحفظات شديدة، مبدية قلقها من ضعف الرقابة على آليات التوزيع واحتمالية انحراف المساعدات عن وجهتها.
الضغوط الدولية ومساعي وقف إطلاق النار
تتزامن هذه التطورات مع تحركات دبلوماسية متسارعة، من بينها محادثات مرتقبة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي بشأن مقترح أمريكي لوقف إطلاق نار مؤقت لمدة ستين يومًا. كما توجه وفد إسرائيلي إلى قطر لبحث تفاصيل صفقة محتملة تتضمن إطلاق سراح محتجزين مقابل تهدئة شاملة.
في الوقت ذاته، تتعاظم الضغوط الشعبية داخل إسرائيل، حيث تخرج تظاهرات أسبوعية تطالب بالتوصل إلى حل دائم ينهي الحرب ويعيد الجنود الأسرى إلى الوطن.
الوضع الإنساني في غزة: أرقام مخيفة

على الأرض، تواصل غزة غرقها في كارثة إنسانية مروعة. تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو نصف مليون شخص معرضون للمجاعة خلال الأشهر القليلة المقبلة، مع ندرة حادة في الغذاء والماء والدواء. البنية التحتية مدمرة، والمرافق الصحية بالكاد تعمل، ما يجعل من أي تأخير إضافي في دخول المساعدات كارثيًا.
المساعدات: بين الواقع والمخاوف
تواجه المساعدات الإنسانية في غزة تحديات مضاعفة، إذ تتهم إسرائيل حركة حماس بتحويل هذه الإمدادات لصالح مقاتليها أو بيعها في السوق السوداء، وهو ما تنفيه الحركة. هذا الاتهام جعل بعض الجهات الدولية أكثر تحفظًا في تقديم الدعم المباشر، ما يضيف مزيدًا من التعقيد للمشهد.
في المقابل، تقول منظمات الإغاثة الدولية إنها تعمل بأقصى طاقتها لضمان إيصال المساعدات إلى المدنيين، لكنها تصطدم بمحددات أمنية ولوجستية تجعل مهمتها شبه مستحيلة في بعض المناطق.
التحالف الحاكم على المحك
قرار الحكومة الإسرائيلية بخصوص المساعدات لم يكن فقط قرارًا إنسانيًا أو إداريًا، بل كشف هشاشة التحالف الحاكم. يمتلك الائتلاف اليميني غالبية ضئيلة، وقد يصبح مهددًا بالانهيار إذا قرر حزب سموتريتش الانسحاب. لكن في المقابل، أشارت مصادر إلى احتمال أن تدعم بعض أطراف المعارضة الحكومة إذا ما تم التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار يحظى بقبول شعبي واسع.
هل تصبح المساعدات بوابة لحل أوسع؟
يرى مراقبون أن تسهيل إدخال المساعدات، رغم تعقيداته، قد يكون مدخلاً لتفاهمات سياسية أكبر. فمع تصاعد الضغوط الدولية والداخلية، يبدو أن تل أبيب باتت مضطرة لإعادة النظر في استراتيجيتها تجاه غزة، ليس فقط من زاوية الحرب، بل أيضًا من باب التهدئة وإعادة الإعمار.
لمتابعة احدث الأخبار حول العالم اضعط هنا – تابعنا عبر فيسبوك لمتابعة احدث واخر الاخبار عبر صفحتنا في فسيبوك وباقي مواقع التواصل .