محمد صلاح يشعل الجدل.. من تغريدة “بيليه فلسطين” إلى لافتة السوبر الأوروبي
شهدت الأيام الأخيرة تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العالمية، بعد أن وجّه النجم المصري محمد صلاح، لاعب نادي ليفربول السابق ونجم المنتخب الوطني، انتقادًا مباشرًا للاتحاد الأوروبي لكرة القدم “الويفا” بشأن طريقة تعامله مع خبر وفاة النجم الفلسطيني سليمان العبيد، الملقب بـ”بيليه فلسطين”. الجدل تصاعد لاحقًا بعد ظهور لافتة ضخمة خلال مباراة السوبر الأوروبي بين باريس سان جيرمان وتوتنهام، حملت رسالة إنسانية قوية: “أوقفوا قتل الأطفال — أوقفوا قتل المدنيين”.
البداية: تغريدة محمد صلاح التي قلبت الموازين
القصة بدأت عندما نشر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تغريدة على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) ينعي فيها وفاة سليمان العبيد، الذي رحل في غزة مؤخرًا. التغريدة وصفت العبيد بأنه “موهبة أعطت الأمل لعدد لا يُحصى من الأطفال، حتى في أحلك الأوقات”، لكنها لم تذكر أسباب أو ظروف الوفاة.
محمد صلاح، الذي اشتهر بمواقفه الإنسانية والاجتماعية، لم يكتف بتمرير الأمر، بل كتب ردًا مباشرًا على الحساب الرسمي لـ”الويفا” قال فيه:
“هل يمكنكم أن تخبرونا كيف مات؟ وأين؟ ولماذا؟”
هذه الكلمات الثلاثة القصيرة كانت كافية لإشعال عاصفة إعلامية غير مسبوقة. خلال أقل من 24 ساعة، حقق رد صلاح أكثر من مليون إعجاب، و300 ألف إعادة تغريد، وأكثر من 22 ألف تعليق. ووصلت مشاهدات الرد إلى ما بين 70 و91 مليون مشاهدة، وفقًا لمصادر مختلفة، ليصبح واحدًا من أكثر التغريدات تداولًا في تاريخ المنصة في سياق رياضي-إنساني.
ردود الفعل العالمية على تغريدة صلاح
تغريدة صلاح اعتبرها الكثيرون موقفًا شجاعًا في مواجهة التعتيم الإعلامي على ظروف وفاة الرياضي الفلسطيني، خاصة أن العبيد قُتل خلال قصف في غزة، وفق تقارير إعلامية فلسطينية ودولية.
صحف عالمية مثل “الجارديان” و”واشنطن بوست” و”الجزيرة” سلطت الضوء على الموقف، بينما امتلأت التعليقات على المنصات الرقمية بعبارات الإشادة بـ”شجاعة صلاح” و”قدرته على استخدام نجوميته لإيصال رسالة إنسانية”. في المقابل، التزم “الويفا” الصمت المباشر ولم يرد بشكل علني على تساؤلات صلاح.
الويفا تحت الضغط في مباراة السوبر الأوروبي
بعد أيام قليلة من هذه العاصفة، جاء نهائي السوبر الأوروبي بين باريس سان جيرمان وتوتنهام ليعيد النقاش إلى الواجهة، لكن هذه المرة من خلال مشهد بصري قوي. قبل انطلاق المباراة، ظهرت على أرضية الملعب لافتة ضخمة كتب عليها بالإنجليزية:
“STOP KILLING CHILDREN — STOP KILLING CIVILIANS”
وترجمتها: “أوقفوا قتل الأطفال — أوقفوا قتل المدنيين”.
اللافتة كانت جزءًا من مراسم افتتاحية نظمتها “مؤسسة الويفا للأطفال”، بمشاركة أطفال من مناطق نزاعات حول العالم، من فلسطين وأفغانستان والعراق وأوكرانيا.
الرسالة.. إنسانية أم سياسية؟
الويفا أكد لاحقًا أن الرسالة ليست سياسية وإنما إنسانية، وأنها تأتي ضمن مبادراته لدعم حقوق الأطفال وحمايتهم في مناطق النزاع. ومع ذلك، قرأ كثيرون المشهد على أنه رد غير مباشر على الانتقادات الأخيرة، بما فيها تساؤلات محمد صلاح.
الإعلام الإسباني، مثل صحيفة “إل باييس”، وصف الخطوة بأنها “أقوى رسالة يوجهها الويفا لإسرائيل منذ بداية الحرب”، في حين رأت وسائل إعلام بريطانية مثل “التايمز” أن اللافتة تمثل “تحولًا في خطاب الاتحاد الأوروبي لكرة القدم” تجاه القضايا الإنسانية.
تأثير الأحداث على الرأي العام
ما بين تغريدة محمد صلاح واللافتة في مباراة السوبر، ظهر بوضوح أن القضايا الإنسانية يمكن أن تتصدر المشهد الرياضي العالمي، وأن الرياضة لم تعد بمعزل عن السياسة والحقوق.
الملايين من متابعي كرة القدم شاهدوا الحدثين، وأعادوا طرح أسئلة جوهرية حول دور الرياضيين والمؤسسات الرياضية الكبرى في التفاعل مع الأزمات الإنسانية. البعض رأى أن موقف صلاح كان حافزًا للويفا لرفع سقف رسائله، حتى لو أن الاتحاد لا يعترف بذلك علنًا.
الجانب الإنساني في كرة القدم
كرة القدم، باعتبارها اللعبة الشعبية الأولى في العالم، لطالما كانت منصة لتمرير رسائل تتجاوز المستطيل الأخضر. من مناهضة العنصرية، إلى حملات مكافحة الفقر، وصولًا إلى النداءات الإنسانية مثل تلك التي شهدها السوبر الأوروبي، تظل الرياضة أداة قوية لتوحيد الشعوب وتسليط الضوء على قضاياهم.
صلاح في تغريدته، والويفا في لافتته، قدما نموذجين مختلفين لكن متكاملين لكيفية استخدام الشهرة والمنصات الرياضية لتسليط الضوء على المظالم. الأول استخدم سؤالًا مباشرًا أربك المؤسسات، والثاني استخدم مشهدًا رمزيًا أمام ملايين المشاهدين.
دروس من القصة
قوة الكلمة: ثلاث جمل قصيرة من محمد صلاح كانت كافية لإشعال نقاش عالمي.
قوة الصورة: لافتة السوبر الأوروبي أثبتت أن المشهد البصري قد يكون أقوى من أي بيان مكتوب.
تأثير النجوم: الرياضيون الكبار لديهم القدرة على تحريك الرأي العام ودفع المؤسسات الكبرى إلى إعادة النظر في مواقفها.
الرياضة والمجتمع: الأحداث الأخيرة تذكرنا أن الرياضة ليست مجرد منافسات، بل يمكن أن تكون جسرًا للتضامن الإنساني.
خاتمة
من تغريدة محمد صلاح الجريئة إلى اللافتة الضخمة في السوبر الأوروبي، يثبت المشهد الحالي أن كرة القدم لا تنفصل عن الواقع، وأنها قد تكون أحيانًا المنصة الأهم لطرح الأسئلة الصعبة وتوجيه الرسائل القوية. وبينما يختلف البعض حول نوايا وأهداف هذه الرسائل، يبقى المؤكد أن تأثيرها تجاوز حدود الملاعب، ووصل إلى عقول وقلوب الملايين حول العالم