في ظل جهود لا تهدأ لإنهاء حرب طاحنة طالت شهورها، طرحت إسرائيل خرائط جديدة تتضمن تقليص وجودها العسكري في قطاع غزة، في خطوة توصف بأنها “تنازل سياسي وعسكري نادر”. تأتي هذه المبادرة كجزء من مساعٍ مكثفة لتأمين اتفاق تبادل أسرى ووقف إطلاق النار، لكنها لم تلقَ القبول المتوقع من الطرف الفلسطيني.
جهود متعثرة نحو وقف إطلاق النار
تواصل الجهود الإقليمية والدولية سعيها الحثيث لتقريب وجهات النظر بين إسرائيل وحماس، وسط تسريبات متزايدة عن تقديم الطرف الإسرائيلي تنازلات ملموسة على الأرض. فقد كشفت مصادر دبلوماسية عن خرائط جديدة توضح انسحابًا إضافيًا لقوات الاحتلال من بعض مناطق جنوب القطاع، وتحديدًا من مدينة رفح، حيث تتركز العمليات العسكرية منذ أسابيع.
ماذا تتضمن خرائط الانسحاب الجديدة؟
الخرائط، بحسب مسؤولين مطّلعين على المفاوضات، تكشف عن نية إسرائيل تقليص نطاق وجودها العسكري في غزة ليقتصر على شريط ضيق شمال ممر فيلادلفي المحاذي للحدود مع مصر. ويبدو أن هذا التعديل جاء بعد ضغوط دولية وتحركات أمريكية لتهيئة مناخ تفاوضي أكثر واقعية، تمهيدًا لتوقيع اتفاق هدنة طال انتظاره.
حماس: لا جديد يُذكر في الطروحات الإسرائيلية
ورغم أن العرض الإسرائيلي يُعد، وفق بعض التحليلات، خطوة غير مسبوقة في سياق الحرب الجارية، إلا أن حركة حماس قابلته بالرفض، معتبرة أنه لا يلبّي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية. وأكدت الحركة أن إسرائيل لا تزال تصر على إبقاء سيطرتها على مساحات واسعة من القطاع، ما يتعارض مع جوهر التهدئة ويفرغ أي اتفاق من مضمونه الحقيقي.
اتهامات مباشرة لنتنياهو
في بيان رسمي شديد اللهجة، اتهمت حماس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالسعي المتعمد لإفشال كل جولات التفاوض، وتوظيف الخطاب الإعلامي عن “النصر الكامل” للهروب من مأزق سياسي وعسكري في الداخل الإسرائيلي. وقالت الحركة إن الخرائط التي قدمتها تل أبيب تُبقي على احتلال فعلي لأكثر من 40% من أراضي غزة، ما يضع عراقيل حقيقية أمام أي اتفاق محتمل.
الوسطاء يفتشون عن “آليات مبتكرة”
في ظل حالة الجمود هذه، يتحرك الوسطاء – وعلى رأسهم الولايات المتحدة وقطر ومصر – بشكل حثيث للبحث عن صيغ توافقية تُرضي الطرفين. وأفادت مصادر مطلعة أن المفاوضين يدرسون حاليًا “آليات مبتكرة” لتضييق الهوة بين المقترحات، وربما إدخال تعديلات تقنية على ترتيبات الانسحاب وإعادة الانتشار تضمن للطرفين الحد الأدنى من شروطهم.
زخم المفاوضات تحت الاختبار
يحذر المراقبون من أن فشل هذه المرحلة الحساسة قد يؤدي إلى انهيار المسار التفاوضي برمته. فالمباحثات التي تُجرى بشكل غير مباشر في العاصمة القطرية الدوحة وصلت إلى مفترق طرق حاسم، يتطلب من الطرفين تقديم تنازلات حقيقية، لا مجرد رسائل إعلامية.
هل تقترب الهدنة أم تتلاشى الفرصة؟
يرى مراقبون أن استعداد إسرائيل لتعديل خرائط انتشارها العسكري يشير إلى وجود نية سياسية لإنهاء الحرب، أو على الأقل تجميدها مرحليًا. لكن المشكلة الأساسية تكمن في غياب الثقة المتبادلة، حيث تعتبر حماس أن أي انسحاب يجب أن يكون كاملاً وشاملاً، لا تكتيكيًا أو مجتزأ.
من جهة أخرى، تواجه حكومة نتنياهو ضغوطًا داخلية متزايدة من عائلات الأسرى الإسرائيليين، التي تطالب بإبرام اتفاق بأي ثمن لإعادة ذويهم، مما يدفع الحكومة إلى محاولة إظهار مرونة تكتيكية دون تقديم تنازلات تعتبرها “استراتيجية”.
التوقيت عامل حاسم في إنجاح المبادرة
كلما طال أمد الحرب، زادت تكلفة استمرارها على جميع الأصعدة، إنسانيًا وسياسيًا واقتصاديًا. ويرى بعض المحللين أن قبول إسرائيل بإعادة النظر في خرائط انتشارها ليس كافيًا، بل يجب أن يصاحبه تحرك أمريكي أكثر فاعلية للضغط على الطرفين.
فُرص التهدئة بين الواقع والطموح
لا تزال فجوة التوقعات بين إسرائيل وحماس واسعة. فبينما تسعى تل أبيب إلى وقف إطلاق نار يعيد لها أسراها ويحافظ على ما تبقى من صورتها العسكرية، تصر حماس على أن أي اتفاق يجب أن يُنهي الحصار بشكل دائم ويضمن انسحابًا كاملاً من القطاع، وهو ما تراه الحد الأدنى لإنهاء الحرب.
سيناريوهات الأيام القادمة
تشير المؤشرات إلى أن الأسبوع المقبل سيكون حاسمًا في تحديد مصير المفاوضات. فإما أن تتكلل الجهود الدبلوماسية باتفاق نهائي، أو أن تتعثر وتعود الأمور إلى المربع الأول، مع احتمال تصعيد ميداني جديد في حال فشل الوساطة.
ومع انخراط أطراف دولية كبرى في الملف، فإن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في وضع خرائط انسحاب جديدة، بل في بناء خارطة طريق سياسية طويلة المدى تضمن عدم تكرار المواجهة.
خاتمة: أي طريق ستسلكه الأطراف؟
في ظل التعقيدات الحالية، يبقى السؤال المطروح: هل تكفي الخرائط الجديدة لتقريب المسافات؟ أم أن حلّ النزاع يتطلب أكثر من مجرد تعديلات على أرض المعركة؟ الجواب لن يتأخر طويلًا، فأيام قليلة قد تكشف مصير مفاوضات غزة بين الانفراج والانفجار.