في وقت تزداد فيه المأساة الإنسانية في قطاع غزة تفاقمًا، برز الدور المصري مجددًا في محاولة إنقاذ الأرواح وسط حصار خانق ومعابر مغلقة. مصر تكثف جهودها لإغاثة غزة، في مسعى حثيث للتخفيف من كارثة إنسانية تطرق أبواب أكثر من مليوني إنسان يعانون الجوع والمرض والخوف.
الجهود المصرية تتحدى الانسداد السياسي
مساعدات لا تنتظر الإذن
أكّد محافظ شمال سيناء أن المساعدات التي وصلت إلى غزة مؤخرًا، تمت بإرادة مصرية مستقلة، دون الحاجة إلى أي ترتيبات مع الجانب الإسرائيلي أو مع حركة حماس. هذه المساعدات التي تركزت على المواد الغذائية، وخاصة الطحين، جاءت في وقت حساس مع تصاعد الحديث عن مجاعة وشيكة قد تضرب القطاع.
ورغم تعقيد المشهد السياسي، فإن القاهرة تثبت من جديد قدرتها على اتخاذ خطوات عملية وإنسانية خارج إطار الحسابات السياسية الضيقة، مركزة على واجبها الأخلاقي تجاه الشعب الفلسطيني.
المعابر… بوابات مغلقة بوجه الحياة
رفح مفتوح من جانب واحد
على عكس ما يتداوله البعض، فإن معبر رفح لم يُغلق يومًا من الجانب المصري، بحسب تصريحات المحافظ. في المقابل، يستمر الاحتلال الإسرائيلي بإغلاقه من جانبه، مانعًا دخول المساعدات ومقيدًا حركة الإغاثة الإنسانية.
المعابر الأخرى، مثل كرم أبو سالم، تُفتح بشق الأنفس، ودون انتظام، مما يجعل تدفق المساعدات عملية بالغة الصعوبة تتطلب تنسيقًا دائمًا وضغطًا دوليًا لا يتوقف.
مخازن ممتلئة وشاحنات تنتظر العبور
طوق نجاة في شمال سيناء
تمتلك مصر شبكة ضخمة من المخازن القريبة من المعابر، تضم كميات كبيرة من المواد الغذائية والطبية، وهي جاهزة للعبور في أي لحظة تسمح فيها الظروف الأمنية. مئات الشاحنات مصطفّة في طابور طويل، تنتظر فقط الضوء الأخضر لعبور الحدود وتفريغ حمولاتها في أرضٍ تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
محافظة شمال سيناء لم تكتفِ بتخزين المساعدات، بل رفعت حالة الاستعداد القصوى في مستشفياتها، تحسبًا لاستقبال المصابين من القطاع، ما يعكس الجاهزية الكاملة من جميع الجهات المعنية.
أرقام تعكس حجم الكارثة
166 شاحنة في 24 ساعة
دخلت 166 شاحنة محملة بالمساعدات إلى غزة خلال يوم واحد فقط، وهو رقم يعكس الضغط الكبير الذي تمارسه مصر على الأطراف الدولية لتسهيل عمليات الإغاثة. إلا أن هذا الرقم لا يزال بعيدًا عن تلبية الاحتياجات الفعلية للسكان، الذين يعيشون على حافة الجوع منذ أشهر طويلة.
21 طفلًا قضوا جوعًا
تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية دق ناقوس الخطر، إذ كشف عن وفاة 21 طفلًا فلسطينيًا دون سن الخامسة نتيجة سوء التغذية منذ بداية العام. كما أكدت المنظمة تفاقم معدلات الجوع الجماعي في غزة، محذرة من كارثة إنسانية غير مسبوقة في حال استمرار الحصار.
اتهامات متبادلة… والضحايا أطفال
بين إنكار إسرائيل ونداءات العالم
فيما تُنكر الحكومة الإسرائيلية مسؤوليتها عن الأزمة الغذائية في القطاع، متهمة حركة حماس بإدارة أزمة مصطنعة، تتسابق المنظمات الإنسانية لإطلاق التحذيرات بشأن الوضع المتدهور. القاهرة، من ناحيتها، لم تدخل في سجالات، بل فضّلت أن تتحدث بالأفعال، مركّزة على تخفيف المعاناة بدل الدخول في مساجلات سياسية.
مصر… الدور الذي لا يسقط بالتقادم
إغاثة إنسانية خارج الاصطفافات
الموقف المصري في هذا السياق يترجم سياسة ثابتة لطالما تبنتها الدولة المصرية، تقوم على دعم الشعب الفلسطيني بعيدًا عن أية حسابات حزبية أو ضغوط سياسية. وهذه السياسة لم تتغير، بل تزداد وضوحًا كلما اشتد الخناق على غزة.
إلى جانب الإمدادات الإغاثية، تواصل القاهرة جهودها الدبلوماسية لتأمين ممرات إنسانية آمنة، وتحثّ المجتمع الدولي على الالتزام بمسؤوليته الأخلاقية تجاه المدنيين في المناطق المنكوبة.
نهاية المقال:
الواقع الإنساني في غزة لم يعد يحتمل التأجيل. الجوع لم يعد احتمالًا، بل حقيقة، وأرواح الأبرياء تُزهق تحت سمع العالم وبصره. وفي خضم هذا المشهد المأساوي، تواصل مصر دورها بثبات، محوّلة مواقفها إلى أفعال، ومبادراتها إلى شريان حياة في أرضٍ تُحاصر من كل الجهات.