بينما يترقب العالم بصمت متزايد، تتسارع فصول المأساة في قطاع غزة، حيث باتت المساعدات الغذائية لا تمثّل فقط شريان حياة، بل معركة يومية يخوضها المدنيون للبقاء على قيد الحياة. وقد أسفر الحادث الأخير لانقلاب شاحنة تحمل مواد غذائية وسط حشود من المدنيين في مدينة دير البلح، عن سقوط 20 شهيدًا على الأقل، وإصابة العشرات بجروح متفاوتة، في مشهد جديد يلخص عمق الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع منذ أشهر.
أزمة غذاء تتفاقم: حين يصبح الانتظار قاتلًا
تدافع من أجل البقاء
في ساعات الليل المتأخرة، تحوّل الأمل بالحصول على الطعام إلى كارثة، حين انقلبت شاحنة محمّلة بالمساعدات الغذائية في طريق ضيق وغير مهيأ بمدينة دير البلح وسط القطاع. الحادث وقع وسط حشود من المدنيين الذين تدافعوا للوصول إلى الإمدادات المحدودة. وعلى إثر ذلك، سقط ضحايا من الأطفال والنساء والرجال، جميعهم من سكان مناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
عندما تتحول المساعدات إلى مصدر خطر
لم يكن هذا الحادث الأول من نوعه. فقد شهدت غزة خلال الأشهر الماضية حوادث مماثلة نتيجة الفوضى والعشوائية في إدخال وتوزيع المساعدات، والتي تتم في ظل غياب ممرات آمنة، وضوابط تنظيمية، وأطر إنسانية محترمة. وتبقى النتيجة دائمًا واحدة: دماء تُراق، وأرواح تُزهق من أجل كيس دقيق أو علبة طعام.
اتهامات متبادلة: من يتحمل المسؤولية؟
اتهامات فلسطينية للجيش الإسرائيلي
في بيان رسمي، حمّل المكتب الإعلامي الحكومي في غزة الجيش الإسرائيلي المسؤولية المباشرة عن الحادث، مؤكّدًا أن الشاحنة أُجبرت على المرور عبر طرق خطرة غير صالحة لعبور المركبات. هذه الطرق سبق أن تعرضت للقصف، وهي غير مؤهلة لاستقبال أي نوع من الشحنات، ناهيك عن قوافل المساعدات التي تستقطب مئات المدنيين في كل مرة.
سياسة “هندسة الفوضى”
السلطات في غزة وصفت الحادث بأنه نتيجة مباشرة لما أسمته “سياسة التجويع الجماعي”، والتي تتجلى في فرض مسارات خطرة على قوافل المساعدات، ومنع الجهات الدولية من الإشراف المنظم على التوزيع. هذا النمط من العشوائية يُطلق عليه الفلسطينيون وصف “هندسة الفوضى”، في إشارة إلى غياب أي إطار آمن ومنظم لتقديم الإغاثة الإنسانية.
تحذيرات أممية: الجوع بات القاتل الجديد
مفوض الأونروا يدق ناقوس الخطر
في منشور له على منصة “إكس”، قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، إن الجوع تحوّل إلى القاتل الجديد في غزة. وأضاف أن الوقت حان لتقديم المساعدات “بكرامة ودون عوائق”، مشددًا على ضرورة السماح للمنظمات الإنسانية بالوصول الكامل إلى المناطق المتضررة، دون تقييد أو تدخل.
معابر مغلقة واحتياجات متزايدة
رغم المطالبات الدولية بفتح المعابر وإدخال المساعدات، فإن الغالبية العظمى من المنافذ الحدودية مع غزة لا تزال مغلقة أو تعمل بشكل جزئي وغير منتظم، مما يُضعف من قدرة الهيئات الدولية على تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية لسكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة.
الواقع الإنساني في غزة: أرقام صادمة
سكان يواجهون شبح المجاعة
وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن أكثر من مليوني فلسطيني في غزة يعانون من نقص حاد في الغذاء. ومن بين هؤلاء، هناك مئات الآلاف لا يحصلون على وجبة كاملة واحدة يوميًا. الأمهات لا يجدن ما يُطعمْن أطفالهن، والمستشفيات تفتقر إلى التغذية العلاجية للمرضى، والمدارس تحوّلت إلى ملاجئ بلا موارد.
حصار مستمر منذ أكتوبر
منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، يشهد القطاع حصارًا خانقًا، شمل تقييد دخول الوقود والدواء والغذاء، مع منع مستمر لإدخال المساعدات بانتظام. وخلال الأشهر الماضية، لم تتمكن سوى قوافل محدودة من العبور، ما جعل التنافس على القليل المتاح يتحوّل إلى سباق حياة أو موت.
مشاهد متكررة: الكارثة مستمرة
الحوادث تتكرر والضحايا بالعشرات
شهدت غزة في الأسابيع الأخيرة سلسلة من الحوادث المشابهة، حيث لقي عشرات الأشخاص حتفهم خلال محاولاتهم الوصول إلى قوافل المساعدات، سواء بسبب التدافع، أو نتيجة إطلاق نار، أو انفجار طرق ملغومة. هذه الوقائع باتت تتكرّر بشكل مأساوي، وتعكس فشلًا إنسانيًا وإداريًا لا يمكن تجاهله.
صمت دولي مقلق
رغم فداحة الأزمة، لا تزال المواقف الدولية تتسم بالصمت أو التراخي، مع غياب أي ضغط جاد لفتح ممرات إنسانية دائمة. بينما تحذر المنظمات الحقوقية من أن استمرار الوضع على حاله قد يؤدي إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق، شبيهة بتلك التي شهدتها مناطق الصراعات الكبرى في العالم.
ماذا بعد؟ الحاجة إلى تدخل فوري
خطة إنقاذ عاجلة مطلوبة
الحاجة اليوم لا تقتصر على إرسال شحنات غذائية، بل تتطلب تدخلاً عاجلًا لإنشاء نظام إنساني فعّال يضمن التوزيع العادل والآمن للمساعدات، وفتح معابر دائمة بإشراف أممي، وتوفير حماية للمدنيين خلال فترات تسلّم المعونات.
مناشدة للضمير الإنساني
المجتمع الدولي مطالب بتحمّل مسؤولياته تجاه شعب محاصر يُقتل جوعًا. يجب على الدول الفاعلة والمنظمات الإنسانية أن تتحرّك بسرعة قبل أن تتحول غزة إلى عنوان جديد لمجاعة القرن.
ختامًا: غزة تختنق تحت وطأة التجويع
المشهد في غزة لم يعد يُحتمل، والانقلاب المأساوي لشاحنة المساعدات لم يكن إلا نتيجة طبيعية لأزمة متصاعدة تُدار بعشوائية، ويُترك فيها المدنيون لمصيرهم دون تدخل فاعل. كل يوم تأخير يعني المزيد من الأرواح التي تُزهق، والمزيد من الأطفال الذين ينامون جوعى.