في لحظة واحدة، قد يقرر فنان أن يرفض عملاً، فيفتح بذلك الباب أمام نجم آخر ليصعد إلى القمة. وهذا بالضبط ما حدث عندما اعتذرت نبيلة عبيد عن بطولة فيلم “الإمبراطورة”، فكان ذلك نقطة تحول في مسيرة نادية الجندي، وأعادها إلى واجهة السينما المصرية بكل قوة.
في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وجدت نادية الجندي نفسها أمام فرصة جديدة حين عُرض عليها بطولة فيلم “الإمبراطورة”، بعدما ترددت منافستها نبيلة عبيد بشأن العمل، وفضّلت الانسحاب في اللحظات الأخيرة. ما لم تكن عبيد تعلمه آنذاك، هو أن هذا القرار سيُطلق شرارة نجاح نادية الجندي مجددًا، ويعيد ترسيخ مكانتها كواحدة من أبرز نجمات السينما المصرية.
خلف الكواليس: كيف بدأ كل شيء؟
من “زنوبة” إلى “الإمبراطورة”
القصة بدأت تحت عنوان “الإمبراطورة زنوبة”، مستوحاة من شخصية واقعية مثيرة للجدل، قاد الكاتب السينمائي الشهير مصطفى محرم رحلة طويلة لتشكيلها وتقديمها سينمائيًا. مرّ النص بمراحل إنتاج متعثرة، تنقّل فيها بين منتجين ومخرجين، قبل أن يستقر أخيرًا بين يدي المخرج علي عبد الخالق.
ورغم حماسة عدد من النجمات لتجسيد الدور، لم تصل الفكرة إلى التنفيذ الفعلي إلا بعد سلسلة من الاعتذارات والمصادفات.
نبيلة عبيد… القرار الذي غيّر كل شيء
انسحاب مفاجئ وتقديرات خاطئة
في الوقت الذي بدا فيه أن الفيلم سيبدأ تصويره قريبًا، وبعد أن وافقت نبيلة عبيد مبدئيًا على بطولته، جاء انسحابها المفاجئ كضربة مفاجئة للعمل. ورغم تبريرها ذلك بظروف عائلية طارئة، فإن المعلومات من داخل الكواليس كشفت لاحقًا أنها تراجعت بناءً على نصيحة مقربين، شككوا في جودة الفيلم وتوقعوا له الفشل.
وبينما كانت عبيد تتجنب ما اعتقدت أنه “مغامرة غير محسوبة”، كانت نادية الجندي تستعد لاقتناص الفرصة.
نادية الجندي تستلم الراية
بطلة جديدة… وشروط جديدة
بمجرد أن عُرض على نادية الجندي سيناريو الفيلم، أبدت حماسها، ليس فقط لتجسيد الشخصية، بل وللمشاركة في تطوير تفاصيل العمل من الاسم وحتى اختيار شريك البطولة. فاختارت الفنان جمال عبد الناصر، مستندة إلى تجربة سابقة ناجحة معه، وهو ما تم قبوله بعد اعتذار فاروق الفيشاوي عن الدور.
رغم بعض التوترات التي حدثت أثناء التصوير، خاصة الخلاف العلني بينها وبين المخرج علي عبد الخالق، نجح الفريق في تجاوز العثرات والوصول بالعمل إلى الشاشة.
عندما نطقت الشوارع: الجمهور يقرر
النجاح الذي لم يكن في الحسبان
لم يكن العرض الأول لفيلم “الإمبراطورة” مجرد عرض عادي، بل تحوّل إلى حدث جماهيري اكتظت له صالات العرض. فبين الحشود التي اصطفّت أمام دور السينما، وبين التقييمات الإيجابية التي تلقاها الفيلم، بدا واضحًا أن القرار الذي اتخذته نادية الجندي بالمغامرة كان قرارًا ذهبيًا.
الفيلم أعاد الجندي إلى دائرة الضوء، ومنحها دفعة جديدة أبقتها في صدارة شباك التذاكر لسنوات لاحقة.
بين عبيد والجندي… منافسة طويلة الفصول
دور الفن في صنع المصير
لا يمكن الحديث عن السينما المصرية في الثمانينيات والتسعينيات دون التطرق إلى الثنائي المتنافس: نادية الجندي ونبيلة عبيد. وبينما خاضت كل منهما طريقًا مختلفًا، بقي التنافس حاضراً في اختياراتهما وأعمالهما وحتى ردود أفعالهما.
وفيلم “الإمبراطورة” لم يكن مجرد عمل فني عابر، بل محطة مفصلية أثبتت فيها الجندي مرونتها واستعدادها للمجازفة، مقابل حسابات خاطئة أضاعت على عبيد فرصة ثمينة.
دروس من القصة
قرارات تصنع التاريخ
ما يميز هذه الحكاية، ليس فقط التقلبات التي مرت بها، بل الدرس العميق الذي تنطوي عليه: في عالم الفن، لا يكفي أن تكون موهوبًا، بل يجب أن تكون شجاعًا، مستعدًا للمخاطرة، وألا تترك الخوف يرسم لك حدودك.
فبينما كانت نادية الجندي تكتب فصلًا جديدًا في مسيرتها، كانت نبيلة عبيد تعيد النظر في قرارٍ ربما كان نقطة تحول… ولكن في الاتجاه المعاكس.
نهاية المقال: مفاتيح الموضوع في كلمات
نادية الجندي، الإمبراطورة، نبيلة عبيد، فيلم مصري، سينما التسعينات، مصطفى محرم، علي عبد الخالق، جمال عبد الناصر، فاروق الفيشاوي، كواليس سينمائية.