رغم اتفاق وقف النار.. التصعيد لا يتوقف في الجنوب اللبناني
في تصعيد جديد يُهدد استقرار المنطقة، نفذت طائرة إسرائيلية مسيّرة غارة جوية استهدفت سيارة مدنية في جنوب لبنان، مما أسفر عن مقتل قيادي بارز في حزب الله، إلى جانب أحد معاونيه، وسط تنديد محلي وتحذيرات دولية من تداعيات خرق اتفاق وقف إطلاق النار المستمر منذ أشهر.
الغارة، التي وقعت على طريق عام تول – الكفور في قضاء النبطية، تبرز استمرار المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله، رغم تعهدات التهدئة ومضامين الاتفاق الموقع في نوفمبر 2024، والذي كان من المفترض أن يضع حدًا للتصعيد العسكري المستمر منذ أكثر من عام.
استهداف مباشر رغم التهدئة
منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، كان من المفترض أن تنخفض وتيرة العمليات العسكرية بين الطرفين. إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى عكس ذلك، حيث تواصل إسرائيل تنفيذ غارات جوية في الجنوب اللبناني، مستهدفة شخصيات بارزة في حزب الله ومواقع استراتيجية تابعة له، حسب تصريحاتها الرسمية.
الغارة الأخيرة لم تكن مجرد حادث عابر، بل استهدفت شخصية وصفت بأنها من أبرز المسؤولين في القوة البحرية التابعة لـ”قوة الرضوان”، إحدى أذرع حزب الله العسكرية الأكثر نشاطًا. هذا النوع من العمليات يفتح الباب أمام احتمالات تصعيد جديد، قد يُعيد خلط أوراق التهدئة الهشة في الجنوب.
موقع الغارة يعكس تصعيدًا مقصودًا
اختيار الموقع المستهدف، وهو منطقة مأهولة في محيط بلدة الكفور بقضاء النبطية، يكشف عن بُعد إستراتيجي في هذه العملية. فالهجوم لم يحدث في منطقة نائية أو معقل عسكري، بل على طريق عام قريب من مواقع مدنية، ما يعكس جرأة في توجيه الرسائل، ويثير تساؤلات حول احترام قواعد الاشتباك واتفاقات خفض التصعيد.
فرق الدفاع المدني والإسعاف هرعت إلى موقع الحادث فورًا، وسط حالة من الذعر بين السكان، الذين اعتادوا على مثل هذه المشاهد خلال السنوات الماضية، لكنهم لم يتوقعوا استمرارها بعد الاتفاق الأخير.
اتفاق وقف إطلاق النار: نجاح هش
ما الذي نص عليه الاتفاق؟
الاتفاق، الذي جرى بوساطة أمريكية، تضمن انسحاب حزب الله من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، مقابل تعزيز وجود الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) على الأرض. كما التزمت إسرائيل بالانسحاب من مناطق تقدمت إليها أثناء النزاع، مع الإبقاء على مواقع استراتيجية محل خلاف.
إلا أن الاتفاق، ورغم ما يحمله من بنود، لم يفلح حتى الآن في إنهاء مسلسل الاغتيالات والغارات الجوية، والتي تؤكد تل أبيب أنها ضرورية لمنع حزب الله من إعادة بناء قدراته العسكرية جنوب الليطاني.
ردود الفعل اللبنانية والدولية
حتى لحظة كتابة هذا المقال، لم يصدر موقف رسمي واضح من السلطات اللبنانية بشأن الغارة الأخيرة، لكن وزارة الصحة أكدت سقوط قتيل وجرحى. من جهة أخرى، ترتفع أصوات في الأوساط السياسية اللبنانية تطالب المجتمع الدولي بالضغط لوقف الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة.
أما على المستوى الدولي، فإن الأمم المتحدة لا تزال تكتفي بالدعوة إلى “ضبط النفس”، دون أي خطوات تنفيذية ملموسة لحماية المدنيين أو ضمان الالتزام بالاتفاق المبرم.
حزب الله في موقع الرد أم الانتظار؟
معادلة الردع تترنح
من المعروف أن حزب الله لا يمرر هجمات مماثلة دون رد، خاصة إذا طالت قيادات بارزة في صفوفه. لكن المعطيات الحالية تشير إلى أن الحزب قد يُفضل التريث، مراعاة للضغوط الإقليمية والدولية، خصوصًا في ظل مخاوف من انزلاق الأمور نحو مواجهة شاملة.
ومع ذلك، فإن استمرار هذه الغارات قد يدفع الحزب إلى تبني خيارات أكثر عدوانية، حفاظًا على صورته أمام جمهوره، ما يُنذر بجولة جديدة من التصعيد العسكري.
هل نحن أمام عودة للمواجهة المفتوحة؟
الجنوب اللبناني.. ساحة اشتباك مستمر
الأحداث الأخيرة تؤكد أن الجنوب اللبناني لم يغادر بعد دائرة التوتر الأمني. فالاتفاقات، مهما كانت صيغها، تظل رهينة تنفيذ الأطراف والتزامها، وهو ما يبدو غائبًا على أرض الواقع.
مع استمرار الغارات، ووجود قوات إسرائيلية في مواقع محل نزاع، وإصرار حزب الله على الاحتفاظ بقدرته على الردع، تبدو احتمالات عودة المواجهة الشاملة أمرًا واردًا في أي لحظة، ما لم يتم تفعيل الضمانات الدولية بشكل أكثر صرامة وفعالية.
خاتمة: تصعيد خطير تحت غطاء الهدنة
الغارة الأخيرة على جنوب لبنان ليست حدثًا عابرًا، بل مؤشر على واقع أكثر تعقيدًا، حيث لا تزال لغة النار هي السائدة رغم الاتفاقات. استمرار استهداف قيادات حزب الله، خاصة في مناطق مدنية، يعيد إلى الواجهة أسئلة حول فاعلية وقف إطلاق النار، وحدود الصبر لدى الأطراف المتصارعة.
وحتى تنجح الجهود الدبلوماسية في تثبيت التهدئة، يبقى المدنيون في الجنوب اللبناني هم الخاسر الأكبر في لعبة شد الحبال المستمرة.