“لا أمتلك شيئًا بعد الآن… حتى هذه الشقة البسيطة صارت عبئًا”، هكذا اختار الفنان الراحل عماد حمدي أن يصف أيامه الأخيرة، بعدما كتبها بقلمه في مذكرات حمّلت حزنًا كبيرًا، وجرعة مؤلمة من الحقيقة. وبينما يتذكّره الجمهور كأحد أعمدة السينما المصرية الكلاسيكية، تُعيد هذه الاعترافات تسليط الضوء على تفاصيل حياته الشخصية التي ظلّت لسنوات حبيسة الأوراق.
بداية زواج انتهت بنهايات مؤلمة
في قلب تلك السطور التي كتبها عماد حمدي، برزت تفاصيل علاقته بزوجته الثالثة، الفنانة نادية الجندي، والتي لم تكن مجرد قصة زواج فني، بل امتزجت فيها المشاعر بالأموال، والدعم بالمآسي، والنجاح بالخذلان.
الزواج الذي جمع بين نجم قدير ونجمة صاعدة حينها، لم يستمر على نحو هادئ كما توقع الكثيرون. فقد أشار عماد حمدي في مذكراته إلى أنه لم يتردد في دعم نادية الجندي ماديًا وفنيًا، حتى أنتج لها واحدًا من أبرز أفلامها في بداية مسيرتها، واضعًا فيه كل ما يملك. لكنه فوجئ بعد فترة قصيرة بأنه خرج من ذلك البيت الذي جمعهما، بلا مال، ولا حتى غرفة واحدة من التسع التي كانت في شقتهما الواسعة بالزمالك.
عطاء بلا مقابل
لم يُخفِ عماد حمدي شعوره بالخذلان. كان يمنح من قلبه، ومن جيبه، لكنه في المقابل عاد ليعيش في شقة متواضعة، لا تملك من الفخامة إلا الذكريات. لم يحتفظ حتى بثيابه الكاملة؛ خرج بـ”بدلتين فقط”، فيما ذهبت نادية الجندي إلى حياتها الجديدة مصحوبة بالبيت الفخم، والأثاث المستورد، ونجاح فني لم يكن ليولد لولا دعمه.
في كلماته، لم يكن الندم هو المسيطر، بل كان الألم، والأسى على سنوات منحها لأحد أحبائه، ثم وجد نفسه في النهاية يصارع المرض، والخذلان، والاختناق داخل أربعة جدران تحاصره فيها ذكريات لا ترحل.
الأيام الأخيرة: عزلة وصراع داخلي

في النصف الثاني من مذكراته، تطرق عماد حمدي إلى لحظات عمره الأخيرة، حيث كان يعاني من تدهور في صحته، بعد إصابته بجلطة دماغية، إلى جانب معاناته الطويلة مع أمراض القلب والاكتئاب. خلال تلك الفترة، وجد نفسه عالقًا بين مرضه وتوتر علاقته بزوجته السابقة، التي لم تهدأ الخلافات معها حتى بعد الانفصال.
كتب: “لا تريد أن تتركني أعيش بقية أيامي في هدوء”… كلمات تلخص الصراع النفسي الذي عاشه. نادية الجندي، بحسب ما ورد في مذكراته، كانت تزور المكان الذي يعيش فيه بين الحين والآخر، لكن تلك الزيارات لم تكن تحمل حنينا أو اهتمامًا، بل حملت اتهامات ومشاجرات ومطالبات حتى بالشقة المتواضعة التي يسكنها.
أبناء مفترقون: محاولات فاشلة للمّ الشمل
لم يكن الخلاف بين الزوجين هو الوجع الوحيد في حياة عماد حمدي، بل كان كذلك الفشل في بناء جسر إنساني بين ولديه: نادر، من زوجته الأولى، وهشام، من نادية الجندي. عبّر عماد حمدي عن شعوره بالحزن لفشله في توحيد الأبناء تحت سقف أبويّ، وألقى اللوم ضمنيًا على الأم التي اعتبرها جزءًا من الانقسام.
ومع ذلك، أبدى احترامه لابنه نادر، الذي رأى فيه وعيًا بأهمية صلة الدم، وإدراكًا بأن الخلافات المفتعلة لا يجب أن تمحو علاقة الأخوّة.
صمتٌ تجاه فاتن حمامة… ووفاء نادر
من الملفت أن عماد حمدي لم يتحدث في مذكراته عن طليقته السابقة الفنانة فاتن حمامة سوى بكلمات موجزة تحمل الكثير من الاحترام، دون أن يخوض في أسباب الانفصال أو تفاصيل العلاقة. وفي هذا الموقف، ربما أراد أن يحتفظ بصورة جميلة لعلاقة لم تكتمل، لكنه لا يندم عليها.
وفي المقابل، اختار أن يختم مذكراته بالكشف عن أكثر لحظات حياته هشاشة، تلك التي لم يجد فيها دعمًا إلا من ابنه نادر، ومن بعض أفراد عائلته الذين أحاطوه في تلك الشقة البسيطة التي تحولت إلى ملجأ أخير.
عندما تتحدث المذكرات بصوت متألم
مذكرات عماد حمدي ليست فقط توثيقًا لأحداث حياته، بل تعبيرًا عن إحساس إنساني صادق، كتبه فنان قضى عمره يمنح من فنه ومن قلبه، ثم وجد نفسه يواجه الوحدة والخذلان. لم يكن الحديث عن نادية الجندي بدافع التشهير، بل ربما كان محاولة لتصفية حسابات النفس مع نفسها، وهو يكتب: “الله الذي أعطاني كل هذا لأعطيها، يمكن أن يأخذه”.
كلماته الأخيرة لم تكن مجرد عتاب، بل كانت رسالة إلى كل من يظن أن المال وحده يصنع العلاقات، أو أن الشهرة تحصّن أصحابها من الألم.
النهاية: إنسان قبل أن يكون فنانًا
تُعيدنا مذكرات عماد حمدي إلى حقيقة غالبًا ما ننساها: أن الفنانين، مهما بلغوا من شهرة، يبقون بشرًا. يتألمون، ويُخذلون، ويتوقون للهدوء في أيامهم الأخيرة. وبينما نستعرض مشواره الفني الحافل، لا يجب أن نغفل عن معاناته الإنسانية، وعن حكاية رجل خسر كل شيء، لكنه ظل متمسكًا بكبريائه حتى النهاية.
لمتابعة احدث الأخبار في الفن و الثقافة اضعط هنا – تابعنا عبر فيسبوك لمتابعة احدث واخر الاخبار عبر صفحتنا في فسيبوك وباقي مواقع التواصل