ضريبة الهواتف المحمولة في مصر بين الجدل الرسمي وزيادات الأسعار: حقيقة الـ 30%
خلال الأشهر الماضية، تصدّر موضوع ضريبة الهواتف المحمولة المستوردة الساحة الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي في مصر، وسط جدل كبير حول حقيقة زيادة الرسوم الجمركية والضرائب، وهل وصلت فعلاً إلى 30% إضافية أم أن الأمر مجرد سوء فهم؟ وبين التصريحات الرسمية والنقاشات الشعبية، وجد المواطن نفسه في مواجهة أسعار هواتف ارتفعت بشكل ملحوظ، ما أثار تساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الزيادة.
بداية أزمة ضريبة الهواتف
القصة بدأت عندما أعلنت الحكومة المصرية في نهاية عام 2024 عن تطبيق آلية جديدة لتسجيل الهواتف المحمولة المستوردة عبر تطبيق “تليفوني“، على أن يتحمل المستهلك دفع ضريبة ورسوم جمركية تصل إلى نحو 38.5% من قيمة الجهاز. الهدف المعلن وقتها كان ضبط سوق الهواتف المحمولة، والحد من التهريب، إضافة إلى تشجيع الصناعات المحلية.
مع بداية 2025، بدأت شركات المحمول بالفعل في تطبيق القرار، وأصبح كل جهاز جديد يدخل البلاد بحاجة إلى تسجيل عبر التطبيق وسداد الضريبة حتى تعمل عليه الشريحة المصرية. هذا القرار، رغم أنه لم يفرض ضريبة جديدة، لكنه أثار موجة من الجدل بسبب انعكاسه المباشر على الأسعار النهائية للمستهلك.
شائعات زيادة الضريبة بنسبة 30%
مع ارتفاع الأسعار في السوق المصري خلال الأشهر الماضية، ترددت شائعات قوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن زيادة جديدة في الضريبة وصلت إلى 30% إضافية، وهو ما أثار حالة من القلق بين المستهلكين.
لكن وزارة المالية ومصلحة الضرائب خرجت سريعاً لنفي تلك الأنباء، وأكدت أن النسبة الرسمية ثابتة عند 38.5% ولم يطرأ عليها أي تعديل. كما أوضح الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أن الهدف من تطبيق المنظومة ليس زيادة الأعباء على المواطن، وإنما ضبط السوق ودعم الشركات المحلية.
إذن، من أين جاء الرقم 30% الذي أثار كل هذه البلبلة؟
التجار والزيادات غير الرسمية
الحقيقة أن الرقم ارتبط غالباً بقرارات بعض الوكلاء والتجار الذين رفعوا أسعار الهواتف في السوق المصري بنسبة تقارب 30%، بحجة تغطية التكاليف الإضافية الناتجة عن الرسوم الجمركية وصعوبة الاستيراد.
فعلى سبيل المثال، شهدت أسعار هواتف آيفون وسامسونج قفزات غير مسبوقة، حيث ارتفع سعر بعض الموديلات من 35 ألف جنيه إلى ما بين 49 و60 ألف جنيه، وهو ما وضع المستهلك أمام معادلة صعبة: إما دفع أسعار مبالغ فيها، أو البحث عن بدائل أقل جودة.
وبالتالي، فإن الـ 30% ليست ضريبة حكومية جديدة، بل هي زيادة سعرية فرضها التجار نتيجة تداخل عدة عوامل منها ضعف المعروض، وارتفاع الدولار الجمركي، ورغبة بعض المستوردين في تعويض خسائرهم.
أهداف الحكومة من القرار
رغم الغضب الشعبي، تؤكد الحكومة المصرية أن تطبيق الضريبة على الهواتف المستوردة له أهداف استراتيجية، أبرزها:
مكافحة التهريب: حيث كان يتم إدخال آلاف الهواتف إلى السوق دون دفع رسوم جمركية، ما يحرم الدولة من مليارات الجنيهات.
دعم الصناعة المحلية: عبر تقليل الاعتماد على الهواتف المستوردة وتشجيع الشركات العالمية على التصنيع محلياً.
زيادة موارد الدولة: في ظل الضغوط الاقتصادية، تُعتبر الضريبة وسيلة لتعزيز الحصيلة الجمركية والضريبية.
كما أشارت وزارة المالية إلى أن المواطن القادم من الخارج يحق له إدخال هاتف واحد معفي من الرسوم كل ثلاثة أشهر، وهو ما يخفف العبء عن بعض الفئات.
ردود فعل الشارع المصري
القرار واجه انتقادات واسعة من جانب المستهلكين الذين رأوا فيه عبئاً جديداً على ميزانياتهم، خاصة أن الهواتف المحمولة لم تعد من الكماليات، بل أصبحت من أساسيات الحياة والعمل والدراسة.
الكثير من المواطنين عبّروا عن استيائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرين أن توقيت القرار غير مناسب في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وأن ارتفاع الأسعار بهذا الشكل يزيد من الضغوط على الأسر المصرية.
من جانب آخر، يرى بعض الخبراء أن تطبيق الضريبة أمر منطقي إذا كان الهدف هو ضبط السوق ومنع التهريب، لكنهم شددوا على ضرورة توضيح آلية التطبيق بشفافية أكبر حتى لا يشعر المواطن بوجود مبالغة أو استغلال.
تأثير القرار على السوق
لا شك أن تطبيق الضريبة وارتفاع الأسعار الناتج عنها أثّرا بشكل مباشر على سوق الهواتف في مصر:
انخفاض المبيعات: حيث تراجع الإقبال على شراء الهواتف الجديدة، واتجه الكثيرون إلى شراء الهواتف المستعملة.
انتعاش السوق الموازي: بعض المستوردين ما زالوا يحاولون إدخال الأجهزة بعيداً عن المنظومة، ما يعيد أزمة السوق السوداء.
ضغوط على الشركات: وكلاء الهواتف العالمية في مصر واجهوا تحديات كبيرة بسبب حالة الركود وارتفاع الأسعار.
ما الذي ينتظر السوق مستقبلاً؟
السيناريوهات المتوقعة عديدة، أبرزها:
زيادة التصنيع المحلي: إذا نجحت الحكومة في جذب استثمارات شركات كبرى مثل سامسونج وأوبو وآبل لتصنيع هواتفها محلياً، قد يؤدي ذلك إلى تخفيض الأسعار تدريجياً.
استمرار الغلاء: في حال بقاء الاعتماد على الاستيراد مع ارتفاع الدولار، ستظل أسعار الهواتف مرتفعة وربما تزيد.
إعادة النظر في الرسوم: تحت ضغط الرأي العام، قد تتجه الحكومة إلى إعادة تقييم النسبة أو وضع تسهيلات جديدة.
خاتمة
في النهاية، يمكن القول إن أزمة ضريبة الهواتف المحمولة في مصر ليست مجرد قضية جمركية أو مالية، بل هي قضية تمس حياة ملايين المواطنين الذين يعتمدون على الهواتف في عملهم وتعليمهم وتواصلهم اليومي. وبينما تؤكد الحكومة أن النسبة ثابتة ولم يتم فرض أي زيادة جديدة، تبقى الحقيقة أن الأسعار ارتفعت فعلاً بنسب وصلت إلى 30% بفعل قرارات التجار وضعف المعروض.
الكرة الآن في ملعب الحكومة التي تحتاج إلى توضيح أكبر للمواطنين، وفرض رقابة صارمة على الأسواق لمنع استغلال المستهلكين. كما أن الحل الجذري يكمن في دعم التصنيع المحلي، حتى لا يظل الهاتف المحمول سلعة “مستوردة باهظة” بل منتجاً متاحاً للجميع بأسعار معقولة. تابع اخر الاخبار حول العالم من هنا . لا تنسى الانضمام الى قناة التليجرام ليصلك كل جديد .