بينما يتزايد الاهتمام العالمي بالأنماط الغذائية الصحية، تبرز دراسات حديثة تشير إلى أن النظام الغذائي المتوسطي قد يكون حليفًا قويًا في الوقاية من مرض الكبد الدهني المرتبط بخلل التمثيل الغذائي، والمعروف اختصارًا بـ MASLD.
أسلوب حياة قديم… بفعالية معاصرة
النظام الغذائي المتوسطي، الذي نشأ في دول حوض البحر الأبيض المتوسط كإيطاليا واليونان، ليس مجرد حمية، بل هو نمط حياة غذائي يقوم على تناول أطعمة طبيعية ومتوازنة. هذا النهج الغذائي يُعتمد فيه على الخضروات الطازجة، الفواكه، الحبوب الكاملة، زيت الزيتون، الأسماك، والبقوليات، مع تقليل اللحوم الحمراء والسكريات المصنعة.
لكن اللافت في الفترة الأخيرة هو بروز دور هذا النظام في الوقاية من أمراض مزمنة، وعلى رأسها مرض الكبد الدهني المرتبط بخلل التمثيل الغذائي، الذي يعاني منه ملايين الأشخاص حول العالم.
ما هو MASLD ولماذا هو خطير؟
التهديد الصامت للكبد
مرض MASLD يحدث عندما تتراكم الدهون في الكبد بشكل غير طبيعي، دون ارتباط بتناول الكحول. وهو أحد أكثر أمراض الكبد شيوعًا في العصر الحديث، وقد يتطور إلى التهابات مزمنة، تليّف، وحتى سرطان الكبد إذا لم يُعالج مبكرًا.
ما يزيد من خطورته أن تطوره غالبًا ما يكون صامتًا، فلا تظهر الأعراض إلا في مراحل متقدمة. ويرتبط المرض ارتباطًا وثيقًا بمشكلات صحية شائعة مثل السمنة، داء السكري من النوع الثاني، ومتلازمة الأيض.
نسب إصابة مقلقة عالميًا
تشير التقديرات إلى أن حوالي ثلث سكان العالم معرضون للإصابة بهذا المرض، في ظل تفشي أنماط الحياة غير الصحية، والتغذية المعتمدة على الوجبات السريعة، ونقص الحركة.
دراسة تحليلية تكشف فوائد غذائية واعدة
دراسة تحليلية حديثة، شملت مراجعة عدد من التجارب السريرية السابقة، كشفت أن الالتزام بالنظام الغذائي المتوسطي، إلى جانب تطبيق استراتيجيات الصيام المتقطع، قد يؤدي إلى نتائج إيجابية في حالات مرضى MASLD.
أشارت النتائج إلى تحسن في مؤشرات صحية عدة مثل انخفاض الوزن، تحسين مستويات السكر في الدم، والحد من الالتهابات، وكلها عوامل تؤثر بشكل مباشر في تطور مرض الكبد الدهني.
نتائج مشجعة… لكن بحذر
ورغم أن النتائج تبدو واعدة، إلا أن الباحثين شددوا على ضرورة إجراء دراسات طويلة الأمد للتأكد من فعالية هذه الأنظمة الغذائية على المدى البعيد، خصوصًا أن مرض MASLD حالة معقدة تتأثر بعوامل متعددة، بينها الجينات والبيئة ونمط الحياة.
لماذا النظام المتوسطي تحديدًا؟
مكونات طبيعية ومضادة للالتهاب
يمتاز النظام الغذائي المتوسطي بغناه بمضادات الأكسدة والدهون الصحية، وافتقاره للدهون المشبعة والسكريات الزائدة. هذه التوليفة تجعل منه خيارًا غذائيًا مثاليًا للحفاظ على صحة الكبد وتعزيز وظائفه.
زيت الزيتون، وهو مكون أساسي في هذا النظام، يُعرف بخصائصه المضادة للالتهاب. كذلك توفر الخضروات والفواكه مستويات عالية من الألياف والفيتامينات، التي تدعم صحة الجهاز الهضمي وتقلل من مقاومة الإنسولين، وهو عامل رئيسي في تطور MASLD.
الصيام المتقطع: شريك داعم
إلى جانب النظام المتوسطي، يُنظر إلى الصيام المتقطع باعتباره أسلوبًا فعالًا في تحسين التمثيل الغذائي. تشير الدراسات إلى أن فترات الصيام تساعد الجسم على استخدام الدهون المخزنة كمصدر للطاقة، مما يساهم في تقليل الدهون في الكبد.
عند دمج الصيام المتقطع مع النظام المتوسطي، تظهر نتائج أكثر إيجابية في تقليل مستويات الدهون الكبدية، وتحسين التوازن الهرموني، وتنظيم مستويات السكر في الدم.
خطوات عملية للوقاية
من أجل تقليل خطر الإصابة بـ MASLD، ينصح خبراء التغذية باعتماد عدد من التغييرات البسيطة في الحياة اليومية، منها:
تناول الوجبات الغنية بالخضار والبروتينات النباتية.
استبدال الزيوت المشبعة بزيت الزيتون البكر.
تقليل السكريات والمشروبات الغازية.
ممارسة النشاط البدني بانتظام.
التفكير في الصيام المتقطع بشكل مدروس وتحت إشراف مختص.
هل يمكن عكس المرض؟
رغم أن MASLD يمكن أن يتطور بصمت، إلا أن التدخل في المراحل المبكرة يمكن أن يعكس الكثير من الأضرار. وأظهرت دراسات سابقة أن فقدان الوزن بنسبة 7 إلى 10% من وزن الجسم قد يكون كافيًا لتحسين حالة الكبد بشكل ملموس.
وهنا تأتي أهمية التوجه نحو نمط غذائي مستدام، مثل النظام الغذائي المتوسطي، الذي لا يهدف فقط إلى فقدان الوزن، بل إلى تحسين الصحة العامة على المدى الطويل.