القيادة الذاتية على مشارف الانطلاق الفعلي مع تحركات استراتيجية جديدة
وسط سباق عالمي لتطوير تكنولوجيا النقل الذكي، أعلنت شركة “أوبر” عن واحدة من أجرأ خطواتها في مجال السيارات ذاتية القيادة، عبر شراكة ثلاثية مع اثنتين من الشركات الواعدة في العالم التقني. الاستراتيجية الجديدة لا تقتصر على مجرد تطوير البرمجيات أو اختبار النماذج، بل تمثل بداية فعلية لدخول مرحلة التشغيل التجاري لهذه التقنية في المستقبل القريب.
استثمار ثقيل في الابتكار: تحالف أوبر ولوسيد ونورو
خطة مركبة تجمع بين الفخامة والتقنية
أعلنت أوبر أنها ستستثمر ما يصل إلى 300 مليون دولار في شركة “لوسيد” المتخصصة في صناعة السيارات الكهربائية الفاخرة، إلى جانب تعاقدها على شراء أكثر من 20 ألف مركبة من طراز “Gravity”، وهو أحد أحدث الطرازات الرياضية متعددة الاستخدامات.
ما يميز هذه الخطوة أن سيارات “Gravity” لن تكون كهربائية فقط، بل ستُجهّز بأنظمة قيادة ذاتية متقدمة، مطورة من قبل شركة “نورو”، الرائدة في مجال تقنيات القيادة الآلية. ومن المقرر أن تدخل هذه المركبات حيز الخدمة ضمن أسطول سيارات أجرة روبوتية تديره “أوبر” أو شركاؤها، في واحدة من المدن الكبرى في الولايات المتحدة بدءًا من العام المقبل.
نقلة نوعية: من التجريب إلى التشغيل
نظام قيادة ذاتية من المستوى الرابع
تهدف أوبر إلى تجهيز السيارات بنظام قيادة ذاتية من المستوى الرابع، وهو أحد أعلى مستويات الاستقلالية، ما يعني أن السيارة يمكنها التحرك من تلقاء نفسها في ظروف محددة من دون الحاجة لأي تدخل بشري.
هذه الخطوة تمثل قفزة تقنية واضحة عن النماذج السابقة التي كانت تعتمد على تدخل بشري جزئي. وقد خضعت النماذج الأولية لاختبارات على مضامير مغلقة في منشآت نورو، وشهدت نتائج واعدة من حيث الأداء والسلامة والتكامل البرمجي بين المركبة والنظام الذكي.
نورو تعود بقوة بعد تحديات تمويلية
تحوّل استراتيجي يُكلّل بشراكة ضخمة
تُعد هذه الصفقة بمثابة عودة قوية لشركة “نورو”، التي واجهت أزمات تمويلية خلال العامين الماضيين رغم سجلها الابتكاري اللامع. بعد أن كانت تركز على روبوتات التوصيل الصغيرة، أعادت الشركة هيكلة استراتيجيتها في عام 2023 لتتجه نحو ترخيص أنظمة القيادة الذاتية لشركات السيارات الكبرى.
هذا التحول منحها مرونة مالية واستدامة أكبر، ومهّد الطريق أمام شراكات أكبر، مثل التعاون الحالي مع “أوبر” و”لوسيد”، وهو ما يعكس نجاح استراتيجية إعادة التموضع التي تبنتها.
المدينة الذكية في الأفق: الأجرة بلا سائق
بداية التشغيل خلال عام 2026
من المتوقع أن تبدأ عملية إنتاج النسخة المعدلة من سيارات “Gravity” في أواخر عام 2026، مع بدء عمليات التشغيل التجريبي خلال 2025. وقد تم اختيار إحدى المدن الأمريكية الكبرى كمنصة أولى لاختبار الخدمة، قبل التوسع إلى مدن أخرى بناءً على النتائج التشغيلية والاستجابة السوقية.
الهدف من ذلك ليس فقط تقديم تجربة تنقل حديثة، بل تقليل الاعتماد على السائقين، وتقليل الحوادث الناتجة عن الخطأ البشري، وخلق تجربة ركوب أكثر سلاسة واعتمادية.
أوبر تواصل بناء شبكتها الذاتية عالميًا
شراكات متعددة لتسريع التبني التجاري
الصفقة الأخيرة ليست معزولة عن جهود أوبر الأوسع في مجال القيادة الذاتية. فقد عقدت الشركة، خلال العامين الماضيين، سلسلة من الشراكات مع أكثر من 18 شركة متخصصة حول العالم، بما في ذلك شركات من أوروبا والصين والولايات المتحدة.
من أبرز هذه الشراكات، التعاون المتواصل مع شركة “وايمو”، الذراع المختص في القيادة الذاتية لشركة ألفابت (الشركة الأم لغوغل)، حيث تُشغّل خدمات سيارات ذاتية القيادة في مدن مثل أوستن وأتلانتا تحت علامة “Waymo on Uber”.
مستقبل النقل بين الذكاء والاستدامة
السيارات ذاتية القيادة ليست رفاهية بل ضرورة
لم تعد القيادة الذاتية مجرد خيال علمي، بل تتحول تدريجيًا إلى ضرورة في ظل تزايد تحديات التنقل، وارتفاع التكاليف التشغيلية، ونقص السائقين في بعض المدن الكبرى. وبتحقيق التكامل بين المركبات الكهربائية والتقنيات الذاتية، تُظهر أوبر التزامًا طويل الأمد بتحقيق نظام نقل أكثر كفاءة وذكاءً واستدامة.
هل تنجح التجربة وتُعمّم عالميًا؟
المرحلة المقبلة ستكون حاسمة لتحديد مدى نجاح هذا النموذج. فنجاح التشغيل التجريبي، واستجابة المستخدمين، ودقة الأداء، ستحدد ما إذا كانت سيارات الأجرة الذاتية ستصبح واقعًا عالميًا خلال العقد القادم.
ومع أن هناك تحديات تقنية وتشريعية لا تزال قائمة، فإن الخطوات الاستباقية التي تتخذها أوبر وشركاؤها تمهد الطريق بثقة نحو مستقبل من دون سائق.